المشهد الأول :
أصوات المراعي الطبيعية تهز المسرح وغلام واقف يحاكي سبعة كلاب كونوا عصابة ..
يمر الحجاج ومعه مئة من الفرسان من جانبه ببطء في مشيته ويستغرب وقوف الكلاب وتآلفهم مع الصبي
الحجاج : ماذا تفعل هنا أيها الغلام ؟
يرفع الصبي طرفه ويقول : يا حامل الأخبار لقد نظرت إلىّ بعين الاحتقار وكلمتني بالافتخار وكلامك كلام جبار وعقلك عقل حمار.
الحجاج وقد استغرب : أما عرفتني ؟
الغلام وقد استهجن : عرفتك بسواد وجهك لأنك أتيت بالكلام قبل السلام.
الحجاج : ويلك أنا الحجاج بن يوسف.
الغلام بسخرية : لا قرب الله دارك ولا مزارك فما أكثر كلامك وأقل إكرامك .
يتحلق الفرسان الذين صاحبوا الحجاج حول الصبي ويقولون : السلام عليك يا أمير المؤمنين
الحجاج : احفظوا هذا الغلام فقد أوجعني بالكلام فأخذوا الغلام و خرجوا .
المشهد الثاني :
مجلس الحجاج ، يتوسطه جالساً على كرسيه الفاخر
والناس حوله جالسون ومن هيبته مطرقون وهو بينهم كالأسد ومن الجالسين الكثير من أعوانه ووزرائه .
ثم يطلب إحضار الغلام
يدخل الغلام من باب المجلس ويتوجه بالنظر مباشرة إلى الحجاج مخاطباً ...
الغلام : السلام عليكم ..
يرفع الغلام رأسه ويدير نظره فيرى بناء القصر عالياً ومزين بالنقوش والفسيفساء وهو في غاية الإبداع والإتقان.
الغلام بثقة : أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين .
يستوي الحجاج وقد كان متكئًا ..
أحد الحاضرين : يا قليل الأدب لماذا لم تسلم على أمير المؤمنين السلام اللائق ولماذا لم تتأدب في حضرته ؟
حديث جانبي من الحضور وتمتمات ونظرات غضب للغلام
الغلام : يا براغيث الحمير منعني عن ذلك التعب في الطريق وطلوع الدرج أما السلام فعلى أمير المؤمنين وأصحابه .
الحجاج : يا غلام لقد حضرت في يوم تم فيه أجلك وخاب فيه أملك.
يعم الصمت أرجاء المجلس ..
الغلام : والله يا حجاج إن كان في أجلي تأخير لن يضرني من كلامك لا قليل ولا كثير.
أحد الوزراء : لقد بلغت من جهلك يا خبيث أن تخاطب أمير المؤمنين كما تخاطب غلاماً مثلك يا قليل الآداب انظر من تخاطب وأجبه بأدب واحترام فهو أمير العراق والشام.
الغلام بصوت خطابي : أما سمعتم قوله تعالى " كل نفس تجادل عن نفسها"
الحجاج : فمن عنيت بكلامك أيها الغلام ؟
الغلام : لن أجيبك .. فقل لي على من تسلم أنت ؟
الحجاج : على عبد الملك بن مروان.
صمت الغلام برهة ثم توجه للحجاج
الغلام : عبد الملك .. ه ه لقد سخط الله عليه ، أتدري لماذا ؟
الحجاج : ولم ذلك أيها اللعين ، ومن أدراك ؟
الغلام : لأنه أخطأ خطيئة عظيمة مات بسببها خلق كثير
شيخ كبير : اقتله يا أمير المؤمنين فقد خالف الطاعة وفارق الجماعة وشتم عبد الملك بن مروان.
الحجاج يتأمل الوضع بصمت غريب ...
الغلام : يا حجاج أصلح جلسائك فإنهم جاهلون فأشار الحجاج لجلسائه بالصمت.
الحجاج : هل تعرف أخي؟
الغلام : أخوك .. أخوك فرعون حين جاءه موسى وهارون ليخلعوه عن عرشه فاستشار جلسائه.
يغضب الحجاج وتستثار نار الحمية في قلبه ويشتعل فيه نازع القتل ويعود ليأمر بضرب عنقه
الحجاج : اضربوا عنقه.
الرقاشي بسرعة ولهفة : هبني إياه يا أمير المؤمنين أصلح الله شأنك.
الحجاج باستنكار وغضب : هو لك لا بارك الله فيه.
الغلام : لا شكر للواهب ولا للمستوهب.
الرقاشي : أنا أريد خلاصك من الموت فتخاطبني بهذا الكلام ثم التفت الرقاشي إلى الحجاج
الرقاشي: افعل ما تريد يا أمير المؤمنين.
الحجاج للغلام : من أي بلد أنت ؟
الغلام : من مصر.
الحجاج : من مدينة الفاسقين .
الغلام : ولماذا أسميتها مدينة الفاسقين ؟
الحجاج : لأن شرابها من ذهب ونسائها لعب ونيلها عجب وأهلها لا عجم ولا عرب.
الغلام : لستُ منهم.
يستهجن الحجاج الموقف ويعقد في جبينه عقدة غضب :
الحجاج : من أي بلد إذاً ؟
الغلام : أنا من أهل خرسان.
الحجاج : من شر مكان وأقل الأديان